إنها سوق موازية لبيع السيارات بعملائها، ودهاليزها ومفاجآتها، ففي كل عام يجري شحن 4 ملاين سيارة إلى إفريقيا في رحلة إلى مثواها الأخير.
في بنين والغابون و نيجيريا يطلقون عليها "المستوردة" "أو المستعملة في أوربا " ذلك أن الكثير منها خارج معايير السلامة، وبعدما لوثت عوادمها أجواء أوربا هاهي تنهي دورة استخدامها في أفريقيا .
يبلغ حجم تجارة السيارات المستعملة ما بين 3إلى 4ملايين سيارة كل سنة في مقابل 1.4 مليون سيارة جديدة تدخل أسواق القارة .
تشحن السيارات المستعملة عبر البحر من مرافئ في بلجيكا أو هولندا، وقد تورد عن طريق البر عبر إسبانيا والمغرب .
في عام 2012، وحده جرى شحن أكثر من نصف مليون سيارة إلى كوتونو ( بنين ) ، لومي ( توغو) ، دوالا (الكاميرون ) ، ليبرفيل ( الغابون ) ، داكار (السنغال ) أو ليبيا .
وجهات متعددة ...
وفي كوتونو ، الوجهة الأولى ، يجري إنزال أكثر من 1000 سيارة يوميا قبل أن يتم سحبها إلى مستودع ضخم للسيارات على مشارف المدينة ومن ثم يعبر الكثير منها ليباع في نيجيريا ذات العدد السكاني الكبير 160 مليون نسمة أو تشحن إلى النيجر ومالي.
ولا شك أن شحن مثل هذا العدد الضخم من المركبات يخلق أكثر من مشكل بيئي فعوادمها تحتوي على كميات كبيرة من غاز أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتريك ،وبنسب أعلى بكثير من المستويات المسموح بها.
وتقوض هذه التجارة تطوير صناعة وتركيب السيارات في الدول المستهدفة وبالتالي فهي معيق للنشاط الاقتصادي في هذه الدول .
ولهذه الأسباب فإن بلدانا عديدة تبنت تشريعات تحظر استيراد السيارات المستعملة كما في الغابون أو المغرب وتارة يكون الإجراء برفع التعرفة الجمركية وهو ما أتى أكله في المغرب بعد تحويل مصنع الرينو والنيسان إليها في 2012 حيث تمكن من تصنيع حوالي 400000 سيارة في السنة وفي جنوب إفريقيا التي احتفظت بسمعتها كالبلد الافريقي الوحيد المصنع للسيارات .
ورغم تدني عدد السيارات المشحونة عن طريق البر إلا أن مثل هذا النشاط يظل متعة الباحثين عن المغامرة من أصحاب السيارات والذين بالكاد لا يتمكنون من دفع نفقات العطلة وشراء تذكرة العودة من ريع هذا النشاط .
إلى نواذيبو عبر إسبانيا والمغرب..
ساعات الصباح الأولى ،في بلدة العرقوب بالمغرب بعدما قضينا الليل على الرصيف في السيارة ، مكان غير مريح بكل تأكيد لكنه يسمح بتوفير دريهمات لباقي الرحلة ..كانت سيارتنا من نوع فلوكسواكن كولف تعمل بالبنزين، سجلت بلوحة ترقيم لأول مرة في 1994، وقد قطعت مسافة 170.000كم ويبدو هيكلها في حالة جيدة وهي سوداء بثلاثة أبواب .
نحن جاهزون وقد بقي لنا 300كم قبل أقرب مركز حدودي بير كندوز ومن 50كم إلى نواذيبو لذا من الأفضل السير في فترة الصباح والتوقف قبل حلول الليل فهذا أكثر أمانا مع أن متابعة الشرطة لا تبدو أكثر إزعاجا فنحن ملتزمون بالقانون ، لكن كل حاجز للشرطة وهي كثيرة نكون كما لو أننا في مغامرة ورهان ، فدهاء بعض عناصر الشرطة مدهش حقا.
في المرحلة الأخيرة من رحلتنا التي بدأت من زمن وبالبحث عن شراء لوحة تسجيل لسيارتنا وبعد قضاء أسبوعين في تصفح الاعلانات وفي الاتصالات من أجل الحصول على سيارة قادرة على إتمام الرحلة وبسعر أقل من 500يورو وبعد عبور فرنسا ومحافظات نانت وبوردو و تولوز، حيث أخرنا عطل ميكاني لثلاثة أيام .
اجتزنا مرتفعات البرانس حيث تجلت لنا أسبانيا من سرقسطة والتي قابلنا فيها سنغاليا كان يستعد لرحلة العودة إلى بلده ، ولديه دراية بالطريق التي يقطعها كل شهر ثلاث مرات وهو على معرفة ببعض المسافرين وقد بنى علاقات مع سماسرة السيارات والجمارك .
كانت محطتنا الموالية مدريد ثم الأندلس و الجزيرة الخضراء . ومن هنا إلى ميناء طنجة المتوسطي وأخيرا أفريقيا .
في الرباط قضينا يوما في انتظار تأشرة الدخول من السفارة الموريتانية لم نكن وحدنا كان هناك ماليون وسنغاليون وبوركنابيون وحتى أوربيون .فقضاء يوم بحي السفارات يبدو كما لو كان خطوة إلزامية للراغبين في مواصلة الطريق.
داخل المغرب كان خط السير من الدار البيضاء. الصويرة. تزنيت . كوليمسين . تان تان . طرفاية . العيون. بوجدور .فالطريق يمر على بلدان ومدن وقرى ولا يبدو أن له نهاية ومع ذلك فرحلتنا أشرفت على نهايتها.
المنطقة الدولية "آمان" المهربين
تشرق الشمس على مناظر طبيعية من الرمال الزاحفة بينما نجتاز مدار السرطان، كان الضباب المتكاثف يحجب الرؤية في دائرة 100 متر ، وكانت ألسنة من الرمال الزاحفة تغطي الطريق في مشهد موحش أيقظ في نفوسنا هواجس الرحلة ومخاوفها.
تجاوزتنا بسرعة سيارة رباعية يستقلها ملثمون لم نستطع أن نطرد التفكير في الجماعات المسلحة التي تتحرك في المنطقة حسب الصحافة والحكومات ..واصلت السيارة الرباعية طريقها لتختفي وراء غلالة من الضباب.
في المعبر الحدودي كان هناك طابور من السيارات في الانتظار ، كان هناك صحراويون يعملون في شراء السيارات المستعملة لبيعها في الجزء الآخر من الحدود قال أحد هؤلاء إنه يشتري السيارات من خريبكه أو سبتة ويقودها بنفسه ليزيد سعرها من 3000درهم إلى 4000 وصولا إلى 5500درهم
بالنسبة لسيارتنا فالمشكل هو في أنها تعمل بالبنزين وهو مكلف مقارنة بالمازوت كما أن لها ثلاثة أبواب فقط ما ينقص من قيمتها.
كنا قد سجلنا السيارة في منفذ طنجة وبشكل مؤقت حيث تمنح السلطات المغربية مهلة ثلاثة أشهر لجمركة السيارة والآن دخلنا حدود المنطقة الدولية بين موريتانيا والمغرب والتي تمتد على مسافة 5كلمترات وهي فضاء حر لكل أنواع الصفقات بما في ذلك سماسرة السيارة.
يترامى في فضاء المنطقة الكثير من السيارات المهجورة التي يبدو بعضها في حالة جيدة وبعضها هياكل منزوعة الإطارات والأحشاء بفعل الألغام و اللصوص.
أحد الوسطاء في نوذيبو شرح الوضع بقوله إن السيارات المهجورة هنا أغلبها مسروق من أوربا ولم تسمح الجمارك بعبورها وبعضها يمضى أشهرا في هذا الفضاء قبل أن يضع جمركي اليد عليها.
منافسة شرسة

كان هناك سمسارة كثر بعضهم طلب شراء سيارتنا ب600يورو، فهناك زبونة في نواذيبو تريد هذه الماركة على حد قوله.
كانت خطتنا أن نستقل ما يعرف بالطريق الاسباني إلى نواذيبو وهو طريق خطر بسبب الألغام لكنه ضروري لتفادي نقاط المراقبة وهو ما يكلف 150يورو عن السيارة الواحدة.
في نواذيبو العاصمة الاقتصادية لموريتانيا تسرح الماعز والزوارق والجميع هنا يتقن حرفة بيع السيارات المستعملة في أوقات الفراغ ومع ذلك فالسيارات التي لا تلائم الطلب أسعارها زهيدة، وتظل المواصفات الأكثر جذبا السيارة ذات الأبواب الأربعة تعمل بالديزل ماركة رينو أو أبيجو أو تويوتا أفنسيس ومرسيدس 190D ، 200D ،240Dبغض النظر عن الهيكل الخارجي للسيارة.
فقطع غيار هذه الماركات متوفرة ويصل سعر المارسيدس أحيانا أزيد من 2500يورو.
تتكاثر بورص السيارات كالفطر في نواذيبو، وبحركة بسيطة تتفحص أعين الخبراء السيارات المعروضة للبيع وبمجرد فتح غطاء المحرك وإلقاء نظرة على المقاعد.
أمام إحدى البورص جلسنا نشرب الشاي، ونتناقش في الأسعار التي لا يمكن أن تصمد بسبب المنافسة غير المشروعة للسيارات المسروقة.
لكن يجب أن نبيع، كل ما في الأمر لابد من دفع عمولة لأحد الوسطاء وهم كثر ، مع تسجيل بيانات الجواز، وفي المنطقة الدولية تتم الصفقة ويتسلم المشتري مفاتيح السيارة على أن يعيد إدخالها إلى موريتانيا.
عبر ودروس
ندخل نقطة الحدود مع المغرب سيرا على الأقدام نحمل أمتعتنا فيما تغادر السيارة التي أقلتنا إلى موريتانيا، مجرد ختم على الجواز واختفت السيارة وسائقها وراء رمال المنطقة الدولية.
وكان مجموع نفقات الرحلة :شراء السيارة : 300 يورو ، خدمات التصليح 200 يورو، الكشف وشهادة التسجيل واللوحات 240 يورو، تسهيل خدمات 115 يورو، الوقود 300 يورو، رسوم التأشيرة إلى موريتانيا 35 € يورو للشخص، التأمين 60 يورو في الشهر، رسم الدخول المؤقت للسيارة ف موريتانيا 10 يورو، خدمات البورص 25 يورو.
فيما بلغت الإيرادات: توصيل مرافقين 100 يورو، ثمن السيارة 590يورو أي 230000أوقية.
صفقة غير مربحة على ما يبدو،فسيارتنا نهمة للوقود ولا تستجيب للمواصفات المطلوبة، كان يمكن أن يكون العرض أفضل .
في الحدود مع المغرب التقينا أحد الأصدقاء كان يقود سيارة مرسيدس 190 في طريقه إلى السنغال، لديه خبرة 10سنوات في مثل هذا النوع من التجارة.
اعترض على الكثير من خطواتنا مؤكدا أنها لم تكن ضرورية ومكلفة وهناك البدائل عنها، فسعر البيع أفضل في الحدود مع مالي من المنطقة الدولية التي لا يمكن لسعر فيها أن يصمد .
كان النشاط أكثر ربحا مطلع الألفية، وكانت الرحلات أسهل لكنها اليوم بدأت في طريق النهاية.
في المقابل فإن عبور الصحراء، ومتعة التلاقي على الطريق أمور لا تقدر بثمن تدفع البعض لخوض هذه المغامرة كل عام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق